د. وليد بن محمد الماجد / كاتب وباحث ـ الرياض
ويشكو المدافعون عن حقوق الإنسان والمطالبون بالإصلاح السياسي والحرّيات، من أن هناك تقاعسا حكوميا بشأن إعادة هيكلة البنية القانونية وتكييفها مع منظومة حقوق الإنسان العالمية، ولا تزال المؤسسات الرسمية السعودية وأدواتها أسيرة لسياسة منهجية لن تساعد إلا على عزل السعودية أكثر فأكثر، ليس فقط دولياً، بل أيضاً إقليميا، بفعل التغيير السياسي الذي أحدثته الثورات العربية الشعبية..
د. وليد بن محمد الماجد
المشهد الحقوقي في السعودية مثقلاً بالصعاب ومحملاً بالتحديات، حيث تعيش السعودية على المستوى الحقوقي بركاناً قابلاً للانفجار، وضع الدولة أمام تحديات حقوقية وقانونية جسيمة.
هناك صعوبة كبيرة لعملية تدفّق المعلومات عن الحالة الحقوقية في السعودية وتعثر لوصول المحامين والحقوقيين، أفراداً كانوا أو جمعيات، مواطنين كانوا أم دوليين، لأماكن الاحتجاز والاعتقال.
فالأبواب في السعودية -كما تقول المنظمات الحقوقية الدولية- موصدة بإحكام، والصحف ذائعة الصيت ووسائل الإعلام المرئية الأشهر في العالم العربي لا تستطيع لا توثيق ولا حتى الحديث عن الانتهاكات التي يتعرض لها الإنسان في السعودية، كل ذلك لن تجد له مكانًا في النشرات الإخبارية ولا في عناوين الصحف العربية وحتى العالمية في كثير من الأحيان.
منظمات دولية حقوقية تقول إن السلطات السعودية تتعامل مع المنظمات الحقوقية الإقليمية والدولية كأجهزة استخبارات معادية لا بدّ من شلّ يدها عن الحركة ومنعها من التواصل مع بعض الناشطين في الداخل، خاصة أولئك الذين يطالبون بالإصلاح والتغيير السياسي ويطالبون بما نصّ عليه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ولذلك، تضمنت لائحة الاتهام المقدمة ضد محمد البجادي وسليمان الرشودي وعبدالعزيز الوهيبي وغيرهم اتهامات عدة، كان من بينها (الحديث مع جهات وقنوات معادية)، وتهم أيضا الناشط الحقوقي وليد أبو الخير أخيراً بتهمة تشويه سمعة المملكة في القنوات الأجنبية.
منظمة العفو الدولية في أكثر من تقرير عن السعودية ذكرت أن فرص نجاح دخول رسمي وعلني لبعثات المنظمات الحقوقية إلى المملكة تكاد تكون مستحيلة، وإن حدث ترخيص للمنظمة بالدخول فيتم حشد الكثير من العقبات لعرقلة حركة البعثة مما يعوقهم عن الرصد الحقيقي ومن ثم التوثيق الدقيق لما يحدث في الداخل السعودي.
ومن هنا، استغلت منظمات دولية حقوقية عدة حالة اعتقال خالد الجهني لما تحدث مع قناة البي بي سي العربية على أنها تجسيد حقيقي لحجم التحييد التي تضعها السلطات السعودية عليهم وتضييق دائرة حركة الوسائل الإعلامية الأجنبية ومراسليها في السعودية.
كما يكثر الحديث في المواقع التي تنشط على الإنترنت كالفيس بوك وتويتر عن غياهب السجون والاعتقالات في السعودية وتصف (الهاشتاقات) على التويتر خاصة (e3tqal) وغيرها السجون في السعودية على أنها ذات عنوان يعاني من العطش المستمر قائلاً (هل من مزيد)، ليصل العدد كما تقول بعض الجمعيات الحقوقية إلى وجود أكثر من 10 آلاف سجين في السعودية.
ولا يزال السخط لحد الآن قائم إثر خبر قيام وزارة الداخلية إنشاء سجون جديدة تتسع كل منها لـ"1200" سجين، بنيت في الرياض والقصيم وأبها والدمام وجدة، كما بني سجن نسائي آخر بالمنطقة الشرقية وصف المصدر الرسمي السجن بـ (الأنموذجي) والأول على مستوى المنطقة!
وتكشف الكثير من الدراسات والمقالات والتقارير عن حجم هائل من الانتهاكات والانزلاقات القانونية والحقوقية التي تحدث للسجين في السعودية مروراً باليوم الأول للقبض عليه والزج به في مركز التوقيف ثم التحقيق معه وانتهاء بالمحاكمة وإجراءاتها.
ولذلك، يسخر الكثير من النقاش الذي يدور في هذه المواقع من أن الإنسان في السجون السعودية هو الشخص الوحيد الذي يعرف التهم الموجهة إليه، حيث يقبع عدد كبير من المعتقلين في السعودية سنين طويلة بلا تهم ولا محاكمات.
وقد شككت جمعية حسم الحقوقية في السعودية حتى في إجراءات المحاكمة التي تُقام للمعتقلين في السعودية وسمتها بـ(محاكم وزارة الداخلية)، بحيث لو حالف المعتقل الحظ وعرض على المحاكمة، فهي محاكمات –كما تقول الجمعية- تفتقد إلى أبسط المعايير الدولية للعدالة والنزاهة، يأتي في مقدمتها غياب قانون عقوبات مكتوب من شأنه أن يحدّد مفهوم الجريمة ونوع العقوبة.
يتعدى التشكيك ليصل أيضاً إلى القضاة أنفسهم ومدى درجة استقلالهم، فبحسب بعض المحامين فإن القاضي في السعودية قد يأمر بحرمان المعتقل من محام يدافع عنه أو يضايق عمل المحامي، وفي أحيان كثيرة يسيء له بعبارات جارحة كمحاولة لصرفه عن الاستمرار في المرافعة. بجانب الافتقاد لقانون عقوبات مكتوب وإلى سوء تأهيل القضاة واستقلاليتهم، فالمجال أيضاً مفتوح أمام تعدد واختلاف الأحكام في قضايا تكاد تكون متطابقة.
كذلك تتحدث الجمعيات والمنظمات الحقوقية المحلية والدولية عن عداء مستديم في السعودية تجاه المواطنين الذين ينادون بالإصلاح والتغيير، ولأولئك الذين ينادون بالديمقراطية وحقوق الإنسان.
فقد سجن عبدالله الحامد وشقيقه منذ أكثر من عامين بتهمة تحريض زوجات المعتقلين على التظاهر السلميّ، للمطالبة بالإفراج عن أزواجهن وأبنائهن المحتجزين دون توجيه تهم إليهم ودون تقديمهم للمحاكمة، وهو تحريض وصفه ناظر القضية الذي أصدر الحكم بسجنهما (أي الحامد وشقيقه)، بأنه تحريض يحرِّمه الإسلام.
وسجن متروك الفالح ستة أشهر، بسبب أنه كتب مشاهداته وملاحظاته عن السجون في السعودية التي وصفها بأنها مفزعة ويعيش السجين هناك أوضاعاً معيشية متردية.
كما سجن الباحث محمد العبدالكريم على خلفية كتابة مقاله نشرها على الإنترنت، تحدث فيها عن أزمة الصراع السياسي في السعودية.
وبعدها سجن عبدالعزيز الوهيبي على خلفية عضوية إنشاء حزب سياسي في السعودية، ولا يزال معتقلا إلى الآن، ويفرض حالياً على بقية الأعضاء الإقامة الجبرية والمنع من السفر للخارج.
كما يتم اعتقال توفيق العامر في الأحساء، ولا يزال إلى الآن في المعتقل. يقول مقربون منه إن السبب وراء اعتقال توفيق العامر هو دعوته مؤخرا إلى قيام ملكية دستورية في السعودية.
تحدث اعتصامات نوعية وغريبة على المجتمع السعودي، وذلك أمام وزارة الداخلية من قبل أهالي المعتقلين (نساء وأطفالا)، مطالبين بإطلاق سراح أبناءهم، أزواجهم وآبائهم، والذين طال مكوثهم في السجن لسنوات عدة من دون توجيه تهمة أو محاكمة، لتطال بعدها الاعتقالات كل من شارك في هذه الاعتصمامات، وكان من أبرزهم محمد البجادي ومبارك بن زعير، والأخير والده معتقل منذ سنوات وكان قد سبق وحكم عليه في قضية سابقة بالسجن 5 سنوات بتهم عديدة، من بينها كان عدم ذكر محاسن الدولة في القنوات الأجنبية.
تتكرر الاعتصامات أمام وزارة الداخلية مرة أخرى، ووفق الموقع على الفيس بوك المسمى (سجينا حتى متى)، والذي يعدَ أعضاؤه الآن بالآلاف، فقد تجمع أهالي المعتقلين، مطالبين بالإفراج عن ذويهم، ليساق بعدها الجميع، بمن فيهم النساء والأطفال في باصات إلى سجن الحائر، ليسجل اعتقال النساء والأطفال منعطفاً خطيراً، وثارت بعدها ثائرة الداعية يوسف الأحمد في شريط فيديو بث على موقع تيوب، استغرب فيه خطوة اعتقال النساء في بلد كالسعودية، وووجه الأحمد خطابه مباشرة إلى الملك عن ضرورة حل وإنهاء ملف المعتقلين بلغة وصفت أنها الأكثر صراحة وحدة فيما يتعلق بهذا الملف.
يظل اعتقال الشاب محمد الودعاني من أمام مسجد الراجحي بالرياض، المشهد الأكثر إثارة ودرامية، والذي وصفه بعض المراقبين بأنه الثائر السعودي الوحيد الذي طالب بإسقاط النظام، ومع ذلك لم يسلم من الاعتقال إلى يومنا الناس هذا.
على أن المشهد الحقوقي الأكثر متابعة، سواء محلياً أو دولياً، هو محاكمة شخصية، أُعلن عنها في الصحف المحلية، يتقدمهم سعود بن مختار الهاشمي وموسى القرني، ووجهت لهم تهم الإرهاب، وقد وصف المحاكمة محامي الدفاع، "باسم عالم"، بأنها عبثية ومجرد محاولة يائسة لإضفاء الشرعية على هذه المحاكمة.
يصف الكثير من المراقبين حقوق الإنسان والديمقراطية في السعودية بالوضع المحرج، ولا يوجد أي بصيص أمل للانفراج قريبا، فلا حق في تشكيل الأحزاب وتكوين الجمعيات المدنية ولا في التجمع السلميّ.
وتشتكي الأقلية الشيعية وغيرها من التهميش والتمييز الواضح، وتبقى المرأة في السعودية الملف الأكثر سخونة، حيث تقول الناشطات في العالم إن المرأة في السعودية تتعرض في المجتمع للحرمان من حقوق أساسية، لمجرد كونها أنثى.
وقد أعلنت جمعية حسم الحقوقية السعودية قيام قوة من جهاز المباحث العامة مدججة بالسلاح، باعتقال زوجات ثلاثة من المعتقلين السياسيين، وهم هيفاء الأحمدي، نجوى الصاعدي، ومرام الصاعدي. وذكر بيان الجمعية، أنه تم "كسر أبواب منازلهم ومصادرة جميع جوالات من بالمنزل وأجهزة الحاسب الآلي وكاميرات تصوير وأقراص مدمجة دراسية وأوراق، واقتادوا المعتقلات المبينة أسماؤهم أعلاه إلى مصير مجهول على الرغم من مرض بعضهن بداء السكري، وتركوا أطفالهن يتامى الأب والأم".
ووفق بيان الجمعية، لم يعلن عن التهم الموجهة إليهن إلى الآن. وتتعرض بعدها منال الشريف للاعتقال فقط، لأنها خرجت للشارع وقادت سيارتها بنفسها.
ويشكو المدافعون عن حقوق الإنسان والمطالبون بالإصلاح السياسي والحرّيات، من أن هناك تقاعسا حكوميا بشأن إعادة هيكلة البنية القانونية وتكييفها مع منظومة حقوق الإنسان العالمية، ولا تزال المؤسسات الرسمية السعودية وأدواتها أسيرة لسياسة منهجية لن تساعد إلا على عزل السعودية أكثر فأكثر، ليس فقط دولياً، بل أيضاً إقليميا، بفعل التغيير السياسي الذي أحدثته الثورات العربية الشعبية.
ومن الواضح أن حالة الخوف والرهبة مهيمنة حتى على سلوك المفكرين والباحثين السعوديين الناشطين والمدافعين عن حقوق الإنسان، فالحضور السعودي هو الأقل في المؤتمرات والندوات ذات جدول الأعمال السياسي الساخن، وعادة ما يمرر الباحث السعودي كتابًا له عن الأوضاع السياسية في المملكة باسم مستعار أو دراسة أعدّها، لكنه لم ينشرها خوفاً من الملاحقة الأمنية.
والكثير من المفكرين السعوديين يحلم أن ينظم في بلاده مؤتمراً أو ندوة تعالج وتناقش أوضاع ومشاكل وطنه من دون سطوة الرقيب والشعور بالخوف.
وهناك كثير من المفكرين والمحللين والكتاب السعوديين يحجبون عن الكتابة والحديث في الشأن العام خوفاً من الرصد ومن ثم المضايقة الأمنية، وقد تصل أحياناً للمنع من السفر أو الفصل عن العمل وأحياناً مجرد الإبعاد من الوظيفة.
ومن جانب آخر، سربت منظمة العفو الدولية نسخة من مسودة قانون سعودي للإرهاب وتمويله، يمنح وزارة الداخلية صلاحيات مطلقة من بينها إمكانية تفتيش المنازل والمكاتب من دون إذن أو مذكرة، ويعطي الحق في التحفظ على الأموال والحسابات المصرفية وغيرها من دون قرار قضائي ويمنح وزارة الداخلية حق تمديد حبس المتهم من دون محاكمة إلى أكثر من سنتين، وتعالت بعدها الصيحات من مختلف المنظمات الحقوقية المحلية والدولية ضد هذا القانون، لتقوم السلطات في السعودية بحجب موقع منظمة العفو الدولية من على الإنترنت على الفور، وتمنع سلمان العودة من السفر للخارج لتحرمه من تصوير برنامجه الرمضاني السنوي المعتاد (حجر الزاوية).
هذه ببساطة مختصرة صورة المشهد الحقوقي السعودي في يوم الوطن السعودي 23 من سبتمبر 2011، ومن خلال هذا المشهد بالتحديد، تظهر المعضلات الحقيقية التي تواجه الدولة والمواطن السعودي على حد سواء في (يوم وطنهم).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق
ملحوظة: يمكن لأعضاء المدونة فقط إرسال تعليق.